تفهم الأم لماذا أشار طفلها إلى السماء في ذلك الصباح، إذ كانت منهمكة كعادتها مثل كل الصباحات في انشغالات يومية، وبعد إلحاح منه، نظرت إلى الأفق فلاحظت أن نوراً ورديَّاً شفيفاً يحيط بالأشياء كلها، لم تصدق عينيها، فهرعت لتخبر أفراد العائلة، ليقف الجميع في النهاية أمام النوافذ مشدوهين، مستمتعين بنسائم عابقة برائحة جميلة... مختلفة، آسرة، منعشة، مختلفة عمَّا ألفوه كل يوم !
وارتفعت رنات الهواتف ، الجميع كان يتحدث عن الظاهرة الفريدة، دون أن يتمكن أي منهم من تقديم تفسير مقنع...
ثم في أمكنة أخرى، في المستشفيات، لاحظ الأطباء أن المرضى قاموا من أسرتهم فجأة بحيوية بالغة ... الشيوخ، الشباب، النساء، الصغار، حتى الأطفال في غرف الخداج... أفاقوا وتململوا يناغون و يبحثون عن أمهاتهم !
دبت العافية في الجميع فجأة، وارتفع صخب جميل مختلط بالضحكات في كل الأروقة... ووسط الدهشة والذهول، بدأ المرضى بإخلاء المستشفيات والعيادات والمراكز الصحية... اختفت الآلام ، التأمت الجروح ، تلاشت الأوجاع كلها فجأة...
وانشغل الناس بالتهاني والاحتفالات، في حين خلت المستشفيات من المرضى، والصيدليات من المراجعين... ويوما بعد يوم، بدأ الأطباء يعانون من الفراغ، ثم تدريجياً بدأت وسائل الإعلام تتحدث عن البطالة... بطالة الأطباء! في الوقت ذاته، حملت الصفحات الاقتصادية أخباراً عن انهياراتٍ مالية تعيشها شركات الأدوية، ونقلت كاميرات التلفزة حالات هستيرية يعيشها كبار المستثمرين في هذا القطاع !
أما من تكيف منهم مع المستجدات... فلقد حول نشاطه التصنيعي إلى منتجات أخرى مثل كريمات التجميل ، ومساحيق الغسيل ، وحفاضات الأطفال !
ودارت كاميرات التلفزة في ردهات المستشفيات الحكومية التي حولها المسؤولون إلى مدارس ومعاهد ، كما زارت المستشفيات الخاصة ، التي حولها مالكوها بسرعة إلى فنادق وشقق مفروشة !
أما الجامعات ، فقد بدأت تشهد حالات انسحاب لطلبة الطب من كلياتها... وكذلك طلبة كليات الصيدلة، والعلاج الطبيعي، ومن جميع التخصصات المرتبطة بصحة الإنسان و معالجته... فلقد اختفى المرض والمرضى !
وبقيت وسائل الإعلام ترصد تداعيات ذلك الصباح الوردي... فنقلت أخباراً عن حالات اكتئاب أصابت بعض الأطباء... في حين نقلت صوراً لأطباء آخرين اتجهوا للعمل التطوعي وخدمة المجتمع! وفريق آخر منهم تحول إلى حياة الزهد والتأمل... أما البقية الباقية من الأطباء فصاروا رجال أعمال مرموقين بعد انتقالهم فورا إلى عالم التجارة !